ما ضاع حق وراءه مطالب.. قصة طرد “جيبوتي” للمستعمر الفرنسي بـ”فن الضغط”
تحت ضغط العمال والمثقفين أجبرت فرنسا على قبول تشكيل مجلس تشريعي
ريم البركي
كانت جيبوتي ضمن أملاك مصر قبل الاحتلال البريطاني، وأصبحت بدءًا من 1882، تحت سيطرة فرنسا، وجرى اختيارها كمقر للإدارة الاستعمارية، وعرفت آنذاك باسم “الصومال الفرنسية”، وتغير الاسم عام 1967 إلى “الإقليم الفرنسي للعفر والعيسى”، إلى أن حصل الشعب على الاستقلال وتأسست جيبوتي في 27 يونيو 1977.
يتذكر الجيبوتيون جيدًا اسم المناضل محمود حربي، الذي بدأ مسيرة النضال هناك عام 1945 بتأسيس حزب “وحدة الشباب الصومالي في جيبوتي”، ثم أسس النقابة الأولى للعمال، التي نجحت في لم شمل العمال المهرة والمثقفين، ونجحت وتحولت إلى “حزب الاتحاد الجمهوري”، الذي أفصح لأول مرة عن حلم الجيبوتيين في الاستقلال.
وتحت ضغط العمال والمثقفين، أجبرت فرنسا على قبول تشكيل مجلس تشريعي عام 1950، بشرط أن يكون نصف أعضائه من المستوطنين الأجانب، مع إتاحة الفرصة للسكان الأصليين لانتخاب ممثلين لهم، ففاز جميع مرشحي حزب الاتحاد الجمهوري، وفوجئ آنذاك المستعمر -الذي كان يريد التهدئة فقط- بتشكل مقاومة قوية.
يتذكر الجيبوتيون جيدًا اسم المناضل محمود حربي، الذي أفصح لأول مرة عن حلم الجيبوتيين في الاستقلال.
تزايد الضغط، وأجري استفتاء لاختيار ممثلًا للسكان الأصليين في الجمعية الفرنسية، ففاز “حربي”، وبالتزامن جرى تنفيذ عمليات فدائية أسفرت عن تدمير بعض أبرز منشآت التخزين الفرنسية هناك، والتي كانت ترسل الأسلحة والمواد الغذائية إلى الاحتلال الإسرائـيلي، وذلك في مساندة من شعب جيبوتي لأشقائهم في مصر، بعد عدوان الصهايـ.ـنة على أرض النيل عام 1956.
وفي عام 1958، حدث تغير كبير في الأحداث، بوصول شارل ديجول لقصر الإيليزيه في فرنسا، وكي يبدو متطورًا وليؤكد على مبادئ جمهوريته الخامسة، أقر بأحقية المستعمرات الفرنسية الرافضة لدستوره، في الحصول على الاستقلال، فسارع “حربي” برفض الدستور الفرنسي الجديد، ففوجئت فرنسا مجددًا، وقررت مواجهة المقاومة هناك بكل السبل، وعلى رأسها بالطبع قمع المظاهرات والزج بالمعارضين في السجون.
ولم يكن هناك حل سوى إجراء استفتاء، قال فيه الجيبوتيين كلمتهم ورفضوا الاستعمار، وكانت النسبة 75%، فحاولت فرنسا إنكارها لكنها فشلت، وعمت المظاهرات البلاد، واستمرت محاولات الشعب الجيبوتي في طرد المستعمر، حتى أجري استفتاء آخر عام 1977، حصلت جيبوتي بموجبه على حقها الشرعي في الاستقلال.
ورغم اغتيال “حربي” بأيدي المستعمر الفرنسي، عام 1961، باستهداف طائرته فوق جبال الألب، خلال جولته لكسب تأييد دولي لفكرة استقلال بلاد- أكمل المؤمنون بفكرته الطريق، وناضلوا حتى تحقق الحلم.