الجزء الثالث: ثورة 1919.. هكذا نجح المصريون في قهر الاحتلال الإنجليزي بالعصيان المدني
بعض النماذج الناجحة للعصيان المدني
ريم البركي
بعدما تحدثنا عن تعريف العصيان المدني، وشروطه، وأوضحنا أنه فعل لا يتعارض مع فكرة الدولة، نسرد لكم بعض النماذج الناجحة للعصيان المدني كما وعدناكم.. وستكون البداية من مصر.
منذ أكثر من 100 عام، ودون أن يقرأ المصريون البسطاء علوم السياسة، اتخذوا قرارًا جماعيًا بمواجهة الاحتلال البريطاني بذكاء، بمجرد اعتقال الزعيم الراحل سعد زغلول، ليسطروا بذلك في كتب التاريخ أول تجربة فعلية للعصيان المدني في الوطن العربي.
أشعل طلاب جامعة القاهرة العريقة أول شرارة للتظاهرات، في 9 مارس 1919، ثم انضم لهم طلاب جامعة الأزهر الشريف، وخلال أيام ملأت المظاهرات جميع المدن والقرى.
لا تحتاج إلى سلاح ناري لتقهر الظالم، فيمكن أن يكون تأثير الإرادة الجمعية أقوى من الرصاص.
بعد ذلك قرر عمال الترام الإضراب، ثم انضم لهم عمال السكك الحديدية، وانضم الفلاحون للحراك الثوري بقطع خطوط السكك الحديدية التي كان يستخدمها الاحتلال آنذاك في نهب الثروات، ثم انضم سائقو التاكسي وعمال البريد والكهرباء والجمارك والمطابع والفنارات والورش الحكومية والجمارك.. كل ذلك قبل ظهور السوشيال ميديا.
ورغم أن رد فعل الاحتلال البريطاني كان قاسيًا، تحمل المصريون ببسالة، وناضلوا من أجل تحقيق حلمهم، ولم تفلح كل محاولات الاحتلال لكسر شوكة المصريين، حتى بعد أن أعدم الكثير من المواطنين وأحرق العديد من القرى، وفي النهاية رضخ الإنجليز وأُلغيت الحماية المفروضة على مصر، ثم صدر الدستور المصري ثم قانون الانتخابات، وانتهت الأحكام العرفية.
صحيح أن تلك الثورة لم تنجح في طرد المحتلين آنذاك، لكنها كانت بداية قوية للمقاومة التي استمرت حتى تحررت البلاد بالكامل.. وصحيح أن هذه الثورة تضمنت أعمال عنف كثيرة، لمواجهة الاحتلال، لكن ذلك لم ينتقص من أهمية فعل العصيان المدني كأداة ضغط قوية في مواجهة السلطة الظالمة، كانت أشد قسوة من الاقتتال.
يمكن أن تتحول أي ثورة إلى حرب أهلية.. هذا حقيقي، لكن وعي الشعوب والتمسك بالحقوق يصل بالناس إلى تحقيق الأهداف.. لا تحتاج إلى سلاح ناري لتقهر الظالم، فيمكن أن يكون تأثير الإرادة الجمعية أقوى من الرصاص.