ذكرياتنا في وسط البلاد داست داعش بأحذيتها عليها

تحملنا آلام هذه الذكريات منذ أن اتخذت داعش من سوق الجريد موطئ قدم

ريم البركي


عملية إزالة الركام الذي خلفته الجماعات الإرهابية في وسط #بنغازي عملية حتمية تأخرت خمس سنوات على الأقل..

ذكرياتنا في أزقة وسط البلاد تحملنا آلامها منذ سنوات كثيرة، منذ فخخت «داعـش» دُمى الأطفال داخل غُرفهم في شارع محمد موسى..

غادر والدي ولم يُشاهد هذه الأزقة عامرة مجددًا.. لم يصطحبنِ لــ«عبد الغفار» في الصباح كما فعل معي على مدار عشرين سنة، ولم نعد أنا وهو لمطعم «تنسلوخ» ننتظر ساندوتشات الشاورما في ليلة عاصفة أمام ميناء بنغازي، وهو يحتضنني ويغطيني بمعطفه الأسود الكشمير.

أصبح والدي لا ينظر لصور لم تُلتقط في «مصوراتي وائل» وأجبرنا قهرًا على تغيير أماكننا المُفضلة.. أصبحنا نشتري من باعة لا نعرفهم وتنازلنا غصبًا عن شارع العقيب..

أصبحت كل مشاويرنا متقطعة طويلة ومملة، دون نكهة، منذ لم يُسمح بركن سياراتنا في باركي شارع عمر بن العاص، بسبب صواريخ داعش.


الحديث اليوم يجب أن يكون أساسه أمران اثنان لا ثالث لهما -من وجهة نظري الشخصية غير الملزمة- أولًا تقديم تعويض مُجز ومُرض للمُلاك.. والثاني حقنا جميعًا في تخطيط وسط المدينة بشكل يليق بتضحيات أهل بنغازي.

تحملنا آلام هذه الذكريات منذ أن اتخذت داعش من سوق الجريد موطئ قدم، منذ أن نسينا أهمية شارع الشريف في العملية الاقتصادية الليبية.

الحديث اليوم يجب أن يكون أساسه أمران اثنان لا ثالث لهما -من وجهة نظري الشخصية غير الملزمة- أولًا تقديم تعويض مُجز ومُرض للمُلاك.. والثاني حقنا جميعًا في تخطيط وسط المدينة بشكل يليق بتضحيات أهل بنغازي.

أنا بكيت وسط بنغازي كثيرًا ولعدة سنوات.. بكيتها بحرقة يوم ما أبلغت والدي أن وقتي لا يسمح أن أصطحبه في جولة داخل وسط البلاد بعد تحريرها مباشرة -كما فعل معي على مدار كل سنوات عمري- حتى لا يراها مدمرة خرابة للكِـ.ـلاب والفئران والثعابين.

بكيتها عندما تحاور بعض من يدعي أنه من أبنائها على «كلوب هاوس» مع من دمرها قبل حتى أن تتبخر رائحة الـ.ـدم والبارود وقبل أن يُنزع فتيل الألغام من دُمى الأطفال.

ننتظر توضيحات كافية تشفى شغفنا وغليلنا عن التصور الهندسي والإنشائي والمعماري لوسط البلاد- ذاكرتنا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا- التي داست داعـ.ـش بأحذيتها عليها.

 

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.